النقد الاجتماعي والسينما
كما نعرف جميعًا أن السينما ليست المنشأ الأساسي "للنقد الاجتماعي"، بل إن جذوره تعود إلى ماركس. ومع ذلك، في وقتٍ تشهد فيه الساحة ازديادًا في إنتاج أفلام، مثل: (إنها عالم حر (لكين لوتش، و (لويز ويمر) لسيريل مينغون، و (حياة أفضل) لسيدريك خان، و (في خضم العاصفة) لكريستوف روجيا، و (البحر الذي يجب شربه) لجاك ميايو، تعود مسألة العلاقة بين السينما والنقد الاجتماعي إلى الواجهة، بعد أن كانت قد غابت عنها منذ السبعينيات.
في هذا السياق، يوضح فرانك فيشباخ أن النقد الاجتماعي ليس نوعًا أو أسلوبًا سينيمائيًّا، بل هو وظيفة تؤديها بعض الأفلام إلى جانب وظائف أخرى، بغض النظر عن نوعها السينمائي، ولكن كيف يمكن تحديد تموضع هذه الوظيفة بالنسبة للسينما السياسية؟ وما هي الأدوات والأساليب السينمائية الخاصة التي تَفعّل عملية النقد الاجتماعي في السينما؟
ما يميز هذا الكتاب هو أنه لا يُعامل النقد الاجتماعي كأداة تحليلية مستقلة عن لعمل الفني، بل ينظر إليه كوظيفة متأصلة في البنية السينمائية ذاتها. يرى فيشباخ ان الأفلام التي تحمل هذه الوظيفة ليست بالضرورة أفلامًا سياسية صريحة، أو تنتمي إلى نوع معين، بل هي تلك الأفلام التي تجعلنا نعيد التفكير في المعاني الكبرى التي تؤطر حياتنا: العدالة، والحرية، والهوية، والانتماء. هذه الوظيفة النقدية ليست مجرد تقنية سردية، بل هي فعل مقاومة يعيد تشكيل القيم السائدة ويطرح رؤى جديدة حول ما هو ممكن.
في ضوء هذا الفهم، تصبح السينما أداة فلسفية بامتياز. إنها ليست مجرد مرآة تعكس الواقع، بل هي أيضًا مطرقة تكسره وتعيد تشكيله. السينما هنا لا تكتفي بأن تكون وسيطًا جمالِيًّا، بل تتحول إلى فعل تأملي وأسئلة مستمرة: ما الذي نراه حقًّا عندما ننظر إلى العالم من خلال عدسة الكاميرا؟ كيف تُعيد الصورة تشكيل وعينا وإدراكنا؟ وما هي الإمكانيات التي تفتحها أمامنا السينما لفهم أنفسنا ومجتمعنا.


















الرئيسية
فلتر
لا يوجد مراجعات