غيمة وكواسر
- كوستا .. ما هذا البياض الذي يحيط بنا؟.. لا أرى شيئًا .. أين صرنا؟
ابتسم كوستاس، سائق سيارة الأجرة اليوناني الذي كان يقلّني، ثم لوّح بكفه اليسرى نحو نافذته الجانبية وأجابني قائلًا: "صرنا في حضن غيمة".
كان هذا في خريف 2011 ، أي قبل زيارتي لجزيرة كوس بثلاثة أعوام، عندما اتجهت برفقة كوستاس إلى جبل الأوليمبوس في شمال اليونان.
أحب السفر حرة ومنفلتة من قيد الأسراب في هذا الوقت من العام، موسم عودة طيور الصيف لأعشاشها، وتعرّي الأشجار لأجل عيون الشتاء وأحضانه. لا أدري لماذا أحب الخريف، ربما لأنه تلك المساحة الوسطية، اللا منحازة لا لقيظ الصيف ولا لصقيع الشتاء، ربما لأنه موسم سقوط كل ما هو مترهّل وضعيف تأهبا لنمو وتبرعم من جديد.
علمني الخريف أن ما يسقط من شجرة الحياة هو غير جدير بالبقاء عليها، لو كان يستحق البقاء لما سقط، حتى الأشجار لا تتمسك بأوراقها الضعيفة، تتخلى عنها غير آبهة -حتى لعريها أمام برد الشتاء لكنها تبقي واقفة، واثقة أنها ستخضر من جديد، وتزهر من جديد.
أحب الخريف، أرى أنه استراحة لانطلاقة جديدة ،أقوى هدنة ما بين نزق الصيف وعنفوان الشتاء، موسم تهادن فيه الشمس أرواحا وأجسادًا ضاجعتها صيفًا باشتهاء، وفيه تستريح.


















الرئيسية
فلتر
لا يوجد مراجعات