هر غليل
في جدة، المدينة الجميلة التي تقع على ساحل البحر الأحمر، وتتميّز بالتنوّع السكاني والعرقي فيها، وفي حي "غُليل"، حيث الأزقة تضيق كأنها تخشى الضوء، وحيث الوجوه متعبة، والقامات محنية كجدران المنازل العتيقة. في ذلك الحيّ الذي يعجّ بالهاربين والمنسيين، والمخالفين لأنظمة الإقامة الشرعية، عاش يوسف الملقّب بـ"الهرّ"… عرف حياة الأزقة الضيقة ، وحمل ندوب المرارات، واختبر حياة لم تعرف الرحمة، لكنه احتفظ بقلب ينتظر رعشة الحب.. حلُم بأن يُنظر إليه كرجلٍ كامل، وليس أجزاء متناثرة من رجل لم يكتمل يومًا. حاصره وجهه الدميم، وقامته القصيرة، وبشرته الداكنة في دائرة النفي والعزلة وأجهدته أحلامه في حبٍّ استمرّ يبحث عنه. "عشتُ في هذا الحي... في بيتٍ كلما تمدَّدت تحت سقفه شعرت أنه آيلٌ إلى السقوط. بيتٌ خاوٍ من الدفء والأمان كحالِ معظم البيوت المندسَّة في فوضى الأحياء المهمَّشة. بيوت صغيرة معظمها من طابق واحد، أبوابها تطلُّ على الأزقة كأنها جحور جرذان؛ ينحبس خلفها ساكنوها ليلاً خوفاً من الشرطة والفتوّات وتجار المخدرات وكل أشكال قُطّاع الحياة". "أتأمل في ماهية الإنسانية، إنسانيتي أنا تحديدًا. أرى السعادة بعيدة عن متناولي... لم أعد أطمح إليها، كل ما أرجوه الآن هو شيء من الطمأنينة وبعض من الراحة". "لا أحد يُقيم لإنسانيتي وزنًا أو اعتبارًا... هذا ما كنتُ أُحسُّ به وأراه في عيونِ الآخرين حين تلتقي نظراتهم بوجهي. أن تكون دميمًا فأنت بين مطرقة السخرية وسندان الرفض، مهما تكن طيّبًا ومهما تسعى من أجل أن تكون شخصية مقبولة في مجتمع كالذي أعيش فيه، بل ربما في كل مجتمع".
لا يوجد مراجعات