دين الكتمان
. مازالت المعرفة بالاعتقادات والأعمال الدينية الشيعية محدودة، ويعتريها سوء الفهم. والسبب الأول وراء ذلك أنَّ الدراسات العلمية المتخصصة في التشيع هي في معظمها حديثة للغاية. وأكثر من ذلك أن أهل هذا الاختصاص من الغربيين لا يزيدون على نحو ثلاثين باحثًا، مع ثلَّة قليلة من علماء الدين الشيعة الذين لا ينشرون بحوثهم إلَّا بلغات العالم الإسلامي. وهذا عدد زهيد للغاية قياسًا إلى مئات المتخصصين في الإسلام السنِّي الذين يدرسون، منذ أكثر من قرن ونصف القرن، مختلف الاختصاصات في حقول الدراسات العربية والإسلامية. وهناك أيضًا صروف التاريخ وما قد يترتَّب عليها من خصومات أيديولوجية. ولقد كان من كبير عواقب صروفه داخل التشيع نفسه إقصاءُ الأفكار التي حُكم عليها بـ «الانحراف»، وحظر النصوص التي عُدَّت «إشكالية». وأخيرًا، فإنَّ الدِّين الشيعي الذي يُعرِّف نفسه في مصادره الأساسية بأنه في الأصل عقيدة باطنية تلقينية، لا يُفصح عن نفسه بسهولة. ومن المعتاد في هذه الظروف أن يكون جانبٌ من التعاليم الدينية -وهو الجانب المعدود أكثرها أهمية لا شك- محميًّا بالقواعد التي تحكم كلَّ عقيدة باطنية. وهذه الأسباب المتعددة؛ ما كان منها جوهريًّا في التشيع أو عَرضيًّا، تجعل منه دينًا مكتومًا غير معروف. ويبحث هذا الكتاب في جوانب لم تُستكشف إلَّا قليلًا من تاريخ التشيع وروحانيَّته في تركيبهما الشديد. ولقد تجد الاعتقادات والرياضات في هذا التنوع متانة وانسجامًا من خلال ازدواج شخصية الإمام الذي هو مبدأ الإيمان ومنتهاه، وفي الدور الحاسم الذي تلعبه المعرفة ويلعبه التلقين، وفي الثَّنويَّة الأنطولوجية والأنثروبولوجية.
لا يوجد مراجعات