فردقان
بمللٍ، مالت شمسُ النهار الشتوي القصير، متباطئةً، إلى محطِّ مغيبها اليومي.. هبطت إليه متمهِّلةً كأنها تتوقَّى ملامسة مستقرها المحتوم، المحتشد حوله سحابٌ ثقيل يميل أسفله إلى الاسوداد. اقترابُ الغروب وغيابُ النور عن الأنحاء المحيطة، يُسبل عليها غلالاتٍ من الغَبَش المشوب بالغرابة والغموض، فتنفلتُ الخيالات الليلية المليئة بالمبهم والخفيِّ من المخاوف الجالبة للوجل والرهبة، ويهتاج الإحساسُ الطاحنُ باحتمال دنوِّ الأخطار من الأسوار.
هذه النواحي الموحشة الجرداء، جدًّا، ليس فيها على امتداد البصر إلا قلعة «فردقان» القابعة هنا منذ قديم الزمان، وقد توالت عليها السنونُ حتى صارت تبدو للمتأمل فيها، مثل عجوز ثكلى تتكوَّم في سكونٍ، وتظهر للناظر إليها من بعيدٍ وحيدةً. لا شيء حولها إلا أرضٌ يبابٌ بلا مبانٍ أو أشجارٍ أو اخضرار، وهواءٌ باردٌ يصفِّرُ عصفُه فوق قُلل التلال المتناثرات، ويعربد هزيمُه بين سفوحٍ ووهاد مفروشةٍ بالخشن من الرمال، وبالصغار والكبار من الأحجار.. حتى الطيور، نأت عن السُّكنى والتحليق بهذا المكان القاحل، الموحش، متشابه الأنحاء كأنه التيه.
لا يوجد مراجعات