الكوجيتو التأويلي
إن فنّ التأويل ليس في مقدوره أن يبلغ يقينيات مطلقة شبيهة بتلك التي يختص بها العلم الرياضي. زد على ذلك أنّ الفينومينولوجيا التأويلية أدارت ظهرها للحلم الهوسرلي الكبير لرفع الفلسفة إلى رتبة العلم المحكم إحكاماً قطعيّاً.
ولا يعني هذا بداهةً أن لنا الحق في المصادقة على استعمال منفلت من كل عقال لكلمة «هرمينوطيقا»، غير متلائم مع مراس الفكر المحكم، أو في التسليم بأنّ الهرمينوطيقا تتغذى حصراً على «يقينيات سلبية» (ماريون). إنّ الأمر يتعلّق فحسب بالتساؤل عن المعنى الذي يجوز للهرمينوطيقا أن تسبغه على حديث ميشال فوكو الذي جاء فيه «أنّ الضرب الأوحد من الفضول الذي يستحقّ عناء المزاولة بشيء من الشغف ليس ذلك الذي يسعى وراء التشبه، وإنما هو ذلك الذي يتمثل فيما ينزع عن نفسه من اليقينيات».
إنّ ما يتعلق به الأمر في المقام الأول إنّما هو النحو الذي تتقاطع به التأويلية مع قطبي التجربة البشرية اللذين لا نملك لهما ردّاً؛ أي الغربة والألفة اللتين جسدتهما رموزٌ أسطوريّةٌ مثل هرمس وهستيا. ولقد صاغ ريكور نفسه رهاناً مماثلاً حينما كتب: «إن استكشافنا للعالم –وتجربة الهوية التي تخترقه– هو مزيجٌ كثيفٌ من تبدلات المظاهر التي أقودها بملء إرادتي بمقادير متفاوتة، والمسوخ التي لا دخل لي بها(...)".
أما السيرة الفكرية، التي أتيتُ على اختصار بعض أطوارها، فلا تشبه في شيءٍ البسط النسقي لبرنامج مثبت سلفاً، وأنه بعد ذلك غير قابل للاكتمال بطبيعته. فكما أن التأويلية لا تعتني بمسألة البدء المطلق، فإنّها تجهل مسألة الاكتمال المطلق. وإنّما بأخَرةٍ فحسب يتبين للمؤلف ما لا يزال في عُهدته من الفكر وما لا يزال في جعبته لقوله.
لا يوجد مراجعات