لهب رماد عشب أخضر
رواية من الأدب العراقي، قائمة على المراسلات بين نزار وريتا. وقصة حب لا تعترف بالمسافات ولا الحدود ولا الخرائط.
من الرسائل
الغالية ريتا،
ثلاثة أشهر مرت.. كنت أكتب لك عن صباحات الأماكن البعيدة المنسيّة، عن الحزن والفرح والأمل، عن الواقع والحلم والموسيقى والشعر، عن الانتماء لهذا الوطن والانسلاخ عنه في لحظات اليأس، عن كل التفاصيل المؤلمة والمتخيلة، عما بحدث فوق العادة والتصور!
حسناً، قصاصات الورق المكتوبة كثيرة، أكتب لك في هذه الليلة بعد انقطاع بريدي، خارج عن إرادتي كما تعلمين، يبدو أن العراق دخل في أتون حرب أهلية بعد تفجير (مرقد الإمامين العسكريين) في سامراء، لا أعرف حقّاً من أين أبدأ؟
مظاهر العنف بعد تلك العمليّة الخبيثة الهمجية والمنحرفة عمّت مدناً كثيرة، عمليات اختطاف وقتل على الهوية.
هل أخبرتك؟ القيامة تقوم، وأفواه بوابة الجحيم شرعت لبغداد، وصار الدم أرخص موجود في الشوارع والأزقة، وأن النطق عن الانتماء يقود الرصاصة مباشرة إلى مؤخرة الرأس!
العمل في مهنة صحفي أصبح خطراً للغاية، لا أحمل ما يدل على هويتي بصراحة، ولا أذهب للبيت كثيراً، أبيت في مكان العمل، وأحول الليل مكتبةً لقراءة ما بيدي من كتب.
بدأت بقصائد من ديوان "غوايات البنفسج" للشاعرة والصحفية الشهيدة أطوار بهجت، لقد عذبت وقتلت بعد تغطيتها لأحداث التفجير، عروس (سنية شيعية) زفت إلى القبر بعذابات الاثنين، كانت سباقة إلى الساحات الساخنة، تشهد لها أرض النجف الأشرف وما دار فيها من معارك بين القوات الأميركية و"جيش المهدي"، وتشهد لها مشارف الفلوجة في حصارها الأول، قرأت حتى ادركت أنها تنبأت بالموت بعد أن كانت تنشد عراقاً تبكي على صدره، تقول:
"نبوءة من ألف جرح
كنت أدري بأنك الموتُ
من ألف جرح
والسوء آتٍ"
اغتيل شبابها الغض، وسلبت حيويتها المفرطة، وسكت صراخها الأنثوي المنادي بالحب.. انطفأت عيناها الخضراوان، كما الأضواء في آلاف البيوت تحت سماءٍ يتيمة.
إن ما يحصل احتفال وحشي، الجميع يحتضر في حلقات دخانه، أو يستعد إلى أن يكون عند ينابيع الموت قرباناً على لا شيء. هكذا!
أكتب لك ولا أدري ما أكتب.
آه يا ريتا، هل سألتك من يغسل الليل؟
لا يوجد مراجعات