أمريكا والسعودية، حملة إعلامية أم مواجهة سياسية؟
يقول القصيبي في معرض حديثه عن الحملة الإعلامية التي وجهتها الولايات المتحدة للسعودية خصوصاً بعد حادثتي تفجير الحادي عشر من أيلول بأنه من الممكن القول أنه وباستثناء مصر أيام قناة السويس، والعراق، أيام احتلال الكويت، لم تتعرض أي دولة في العالم كله لهجوم عنيف مركز من الإعلام الأمريكي (والغربي) يماثل الهجوم الذي تعرضت له المملكة خلال الشهور الماضية. هذا وإن تحليل هذه الحملة يحتاج إلى مجلدات-في بعض الأيام كان هناك أكثر من عشر مقالات تهاجم الملكة موزعة على العواصم الغربية، بل إن تحليل نماذج منها يحتاج إلى مجلد أو أكثر، وقد اكتفى القصيبي في مقالته هذه باستعراض أهم ما تضمنه الهجوم: "التهم الموجهة إلى المملكة" والتي انتهى بعد استعراضها إلى القول، بأنه من الواضح، وفي نظره على الأقل، بأن الأجهزة الاستخبارية الأميركية هي التي تقف وراء الحملة، وهناك أكثر من سبب قويّ يدفعها إلى أن تقف هذا الموقف، من ناحية، تنفيذ التفجيرات يوم 11 سبتمبر/أيلول بهذا القدر الكبير من الفعالية يدل على فشل الأجهزة الاستخبارية الأمريكية الذريع وإهمال القاتل (لو حصل شيء مماثل في اليابان لاستقلال رؤساء الأجهزة... أو انتحروا).
وكان من الطبيعي أن تبحث الأجهزة الأمريكية عن كبش فداء تحمّله المسؤولية الكاملة وتقفي نفسها من تبعات الفشل. وكان المملكة كبش الفداء المثالي: كثير من المتورطين سعوديون، والعقل المخطط سعودي، والتمويل جاء من المملكة، إذن فلولا المملكة لما دقت التفجيرات.
هذه النزعة إلى تعليق التبعية في عنق المملكة هي التي دفعت الأجهزة الأمريكية إلى إعلان قوائم المسافرين فور العثور عليها مع أنه يستحيل على قارئها أن يتبين الخاطف من المخطوف. وهذه النزعة هي التي دفعت الأجهزة، بعد ساعات قلائل، إلى أن تعلن أن أسامة بن لادن هو المشتبه الرئيسي دون أن تقدم دليلاً واحداً مقنعاً، أو غير مقنع.
من ناحية ثانية، تحمل الأجهزة الاستخبارية الأمريكية مشاعر سلبية جداً نحو المملكة لأنها لا تلقى فيها الترحاب الذي تلقاه في الدول الصديقة. حتى عندما وقعت تفجيرات في العليّا والخبر، وسقط ضحايا من المواطنين الأمريكيين لم تسمع حكومة المملكة للفريق الأمني الأمريكي باستجواب المتهمين، فضلاً عن تسليمه الملف بأكمله (كما تفعل الدول الصديقة) وهذه الحملة الاستخباراتية سرعان ما وجدت صدى في الكونجرس، وصدرت تصريحات عديدة تحمل النغمة نفسها.؟ ونجحت الأجهزة في إقناع مراكز القرار الرئيسية في واشنطن بوجهة نظرها.
وهكذا يمضي الدكتور القصيبي في تحليلاته البالغة الأهمية، وباستقراءاته المعمقة لواقع السياسة الأمريكية في ظل أحداث الحادي عشر من أيلول وتداعياتها لوضع النقاط على الحروف للهجمة الإعلامية التي تشنها السياسة الأمريكية على المملكة السعودية من خلال إعلامها المُسَيَّسْ.
وتمثل صفحات هذا الكتاب محاولة لفهم هذه الحملة، ولبحث العلاقة التي يراها المؤلف علاقة عضوية بين الإعلام والنظام السياسي. وتبسيطاً للأمور فقد عمد القصيبي في استقراءاته هذه لاستعمال "الصحافة" و"الإعلام" ككلمتين مترادفتين، وقصر حديثه على الإعلام السياسي دون غيره من وجوه الإعلام.
وسطور هذا الكتاب جديرة بقراءة متعمقة تتيح للقارئ، وفي ظل التجاذب السياسي الإعلامي التي تشهده الساحة الإعلامية العربية، هذا التجاذب الذي أحدثته الصناعة الإسرائيلية، بعد الحادي عشر من أيلول، هذه القراءة المتعمّقة تتيح للقارئ إدراك ما خلف كواليس مطابخ إعلام السياسة الدولية بصورة عامة والأمريكية منها بخاصة.
لا يوجد مراجعات