السحرة/ ج1+2
"السحرة يجزمون أن أهل الخفاء لن يصيبوا بأذى مخلوقاً لم يبادرهم بأذى، أما الشقاوة فهي لعبتهم الأثيرة، الدعابة عشقهم. مشاكسى الأنس من أحب الألعاب إلى نفوسهم... وأهل الصحراء لا يتخيلون الحياة في الصحراء إذا خلت منها شقاوات جيرانهم القدماء، وكثيراً ما رويت أحاديث شيقة عن هذه الشقاوات. أحد الرعاة قال أنه نزل سهلاً عارياً بعد سفر يوم شاق، لم يوقد ناراً، ولم يتناول عشاء، ولم يتحصن بتعويذة. انهار على فقفاه ونام كقطعة حجر. كان القمر قد فرّ من الخلاء، فخلا المجال للظلمات لتستبد بالصحراء. فلم ير المسافر المنهك أنه يتوسد رماداً خلّفه الأولون واتخذت منه أهل الخفاء وطناً، كان يستغرق في النوم، يستنشق أزاهير الرتم في الحمّادة، يقلع الترفاس، ويقرص نهود الصبايا في مراعي الربيع، عندما تلقى على وجهه صفقة قاسية فزّ لها واقفاً. اختفت أشجار الرتم المجللة بالبياض، وتبدد مذاق الترفاس، وسافرت الصبايا وتوقفن عن الغناء، وهاجرت الحمادة من مملكة الصحراء. وجد نفسه واقفاً والصفعة ما زالت تحرق وجنته اليمنى... جلس على الأرض فاكتشف شبحاً باسمال سوداء يتربع في مواجهته، أدهشه كيف لم يتبين الطيف، ولكن أمر الجن لم يخطر له على بال... في تلك الومضة وجد أن هامة الشيخ بدأت تنمو وتتمدد وتعلو. ظلت تطول وتعلو حتى غابت في السماء الظلماء. لحظتها أدركته القشعريرة وفهم كل شيء، ولكن بعد فوات الأوان. لأن الجان رأى أن يداعبه قليلاً فجرده من اللثام بضرة واحدة".
يفجّر إبراهيم الكوني معانيه صوراً بل عوالم تمتد في حضن الصحراء الشاسع اتسعت مسافاتها بين الأرض والسماء، وشاشة فضائية تتراقص على صفحتها أشكال تنبت من أرض الخيال المترع بالأسطورة وبالموروث من الحكايا.
وكقارئ تسرح طوراً من سحر الحكاية، وأطواراً تنطلق بفعل ساحر لترافق الجن، لتتكلم بلغتهم وتسمع بأذنهم وتروي الحكم بلسانهم... جمال وحسناوات وقبح، وحكم وحكايات وإبراهيم الكوني يمضي في الجزء الأول من حكاية السحرة في اجتذاب الأنس إلى عالم الجن، ويمضي في جعل صحرائه مأهولة بعالم كائنات قادمة من خلف السطور.




















الرئيسية
فلتر
لا يوجد مراجعات