الأعمال الشعرية 2/1
يجسد الشاعر محمد بنيس في أعماله نموذجاً فريداً من حيث قدرته على استنطاق اللغة وتفجير طاقتها التعبيرية. وهو إلى ذلك باحث عن الأصالة والتفرد مما يميزه عن كثير من أقرانه. عمد إلى كسر القوالب الجامدة واستوحى من القصيدة القديمة قالباً يجمع بين الإيقاع والنثر فجاءت كلماته تنساب معبرة عن عواطف وانفعالات وأفكار لكنها في الوقت نفسه تتحول إلى كائن حي ينمو ويتنغس. احتفى محمد بنيس باللغة وتعمقت علاقته بها من خلال رغبته في الغوص إلى أعماق الكلمات كي ينصت إلى ندائها الخفي باحثاً سر ما خفي في اللغة.
كانت القصيدة لديه "الوشم والوسم" الهدي "الأضحية" وكانت تجربة الكتابة لديه مغامرة أو سفراً في اللامسمى: "كلمتي خضراء يكسوها السحر/ أغصانها تخرج من جذع الغناء والصور، كلمتي حمراء كالريح، تفجر الغمام/ تحيله سيلاً يحطم الحدود.
ولعل هذا ما يحيل القصيدة إلى مجموعة من الألوان تبرق في أفق الشاعر لتكون المعنى الذي يخرج عن سياق المألوف. ويفضح غرابة الشاعر ولا نمطيته بل قدرته على خرق حجب القصيدة لتعطيه ما تبخل به على غيره. لقد جمع بنيس في تجربته خصائص مكنته من تجاوز أساليب التعبير التقليدية وانطلق بحيوية ولم تقف حواجز الوزن والقوالب عائقاً يحيل بينه وبين ابتكار لغته وأدواته الخاصة.