خبط الأجنحة
وفق أمجد ناصر بداءة في اختيار هذا العنوان الدال على كتابه الجديد (خبط الأجنحة)، لأن خبط الأجنحة فيه لا يضرب في آفاق فضاءات جغرافية وثقافية عديدة ومتنوعة فحسب. ولا يكتشف أصقاعاً من الروح والنفس والفكر في أمكنة مختلفة فحسب، ولكنه يضرب كذلك في أجواز منطقة تعبيرية تقع على التخوم الفاصلة بين عدة خطابات دون أن تندرج كلية تحت لواء أحدها. ففي نصوص هذا الكتاب شيء من شعر كاتبه، لا ذلك الشعر المباشر الذي يفتتح به بعض الفصول فحسب، ولكن الشعر الأعمق والثاوي في منهج الكتابة، والتقاطها للتفاصيل الصغيرة والدقائق المهمشة، واهتمامها بعلاقات التجاور ومفارقاتها، وولعها برصد التحولات الثاوية في الأعماق. وفيها من أدب الرحلات النفس السردي الذي يحتفي بالجزئيات الدالة، واللقطات القادرة على وضع القارئ في الموقف الذي يصفه، وفي قلب المشهد الذي يدور فيه، وكأنه يصحبه معه إلى المكان ويريه له من خلال الكتابة التي تعتمد على العين أكثر من اعتمادها على الأذن. وفيها منه كذلك الهاجس الدائم بالتعرف على الجوهري خلف العرضي. والنفاذ إلى ما وراء المشهد من دلالات وأسرار لأن المرحلة لا تكتمل حقاً إلا إذا ما ارتحلت في الثقافة والأعمال بقدر ارتحالها في الأماكن والفضاءات.
وفيها من السيرة الذاتية والسيرة الثقافية قدر كبير من البوح الذاتي الحميم، والانشغال بالهم الثقافي العام. والولغ بالذاتي والشخصي وبرسم خريطة العلاقات الحميمة بين الأدباء، وصياغة عالم جيل تبنى في مطالع الشباب الحلم العربي بوطن حر وشعب سعيد في لوقت الذي تخترت فيه الأحلام، وتعرضت الأوطان للهزيمة والهوان والتبعية، وعانت الشعوب من حكامها أضعاف ما عانته من غاصبيها(...).
فالكاتب مشغول في هذه النصوص جميعاً بالربط بين الهم الشخصي والهم العام. بصورة تتحول معها نصوص هذا الكتاب إلى شهادات تاريخية لخبط أجنحة جيل السبعينات الأدبي في الثقافة العربي في متاهات الضياع والوحشة التي صنعناها بأنفسنا.
د.صبري حافظ
لا يوجد مراجعات