الكنة
بأسلوب سردي توجيهي، خطَّ أورهان كمال رواية «الكنّة المكتوبة» في العام 1955 والصادرة هذا العام لدى دار المدى في ترجمة لعبد القادر عبد اللي.
يحاول كمال في روايته هذه تقديم النصح وأخذ العبر من الشر الذي يكمن في داخل الإنسان، والأبعاد التي يمكن أن يأخذها والنتائج المأساوية المترتبة عنه في ما لو تمكن هذا الشر من الإنسان.
أكثر من ذلك، يحاول في روايته القبض على لحظات التغير التي كان يعيشها المجتمع التركي آنذاك، محاولاً إضفاء مسحة أخلاقية على الأفكار الحديثة التي تنتشر في صفوف النخب المتعلمة الجديدة التي تتصارع مع أصحاب القيم القديمة، وكيف أنها تحاول المقاومة في صراعها مع أصحاب القيم القديمة التي تسعى إلى تأبيد هذه القيم.
مصير
كذلك نجد خلاصة تبث في ثنايا الرواية مفادها أنه لا بد من منسوب معين من الذكاء وجب أن يتمتع به المرء كي يواصل حياته في البلاد التي تشهد الرواية أحداثها، وكيف يكون مصير الخانعين والراضخين لأقدارهم والمسيرين من قبل الآخرين من دون أن يظهروا أي مقاومة أو محاولة لتغيير مصائرهم وأقدارهم، حتى لو كانوا من أصحاب النيات الحسنة والصادقين والأوفياء. بهذا المعنى يؤكد المؤلف أهمية هذا العامل أي توافر الذكاء لدى المرء لينجح في حياته أينما كان، وهو ما نشهده ونلاحظه من خلال المصير الذي تؤول إليه بطلة الرواية ناظان التي كانت متزوجة من محامٍ ناجح وتقيم في المنزل نفسه مع حماتها، وكيف أنها تعيش كالخادمة في المنزل ولا تعير اهتماماً لطموحات زوجها في الأسلوب والطريقة الواجب التعامل معه كعاشقين حبيبين، متمسكة بالتقاليد التي تربَّت عليها وبضرورة عدم إظهار أي بادرة تعبر عن أحاسيسها ومشاعرها بصراحة أمام زوجها وبواجب تلقي الأوامر حتى في الحب، الأمر الذي يدفع زوجها إلى الهرب منها باتجاه فتاة إحدى البارات، فيتعلق بها ويتزوجها. وتظهر لنا الرواية الفارق في أساليب التعامل مع الحماة بين الزوجة الأولى والزوجة الثانية عاملة البار.
تظهر هذه المقارنة كيف أن الأفكار الحديثة التي تتمتع بها الثانية تؤهلها لوضع حد للمعوقات والمصاعب التي تضعها الحماة في وجه الكنة أياً كانت، بغرض سيطرتها على البيت وعلى من يسكنه.
عصابات
ما من شك أن الرواية كتبت في لحظة توتر وقلق كان يعيشها المجتمع التركي بين الأفكار الحديثة والتقاليد القديمة. وتؤكد هذه الفرضية اختلاف مصائر الزوجين بعد طلاق الأولى ووفاة الزوج بالنسبة الى الثانية. إنتهت الأولى في أعمال الرذيلة وأوقعتها قلة تجربتها في الحياة وضعفها في فخ إحدى العصابات التي رمت عليها وبال أفعالها، الأمر الذي دفعها إلى السجن الذي خضعت فيه إلى سلطة من نوع آخر وهي استغلالها من قبل إحدى السجينات الفارضة قوتها داخل الزنزانة، فتخدمها ليل نهار في الطعام والملبس وحتى في الفراش الليلي من دون أن تبادر ولو إلى المقاومة على الرغم من دعم زوجها لها فور معرفته بما حصل لها ومساعدته عبر توكيله محامياً مهماً ليدافع عنها تمهيداً لإخلاء سبيلها.
أما الثانية فتُظهر، على رغم أنها من فتيات إحدى البارات، إنسانية وذكاء حادين وربما بهذه الصفات التي رأى الكاتب أنها تتحلى بها هذه المرأة، أراد في ذلك الزمن إعطاء صورة إنسانية لفتاة الهوى وتصويرها بغير الصورة النمطية المعروفة عن هذا الصنف من النساء. فنجد أنها احتضنت ابن زوجها المتوفي على رغم أنه ليس منها وأسكنته معها عند شقيقها وتحملت المصاعب لأجله، إلى أن استطاعت تدبير حياتها من خلال زواجها من أحد المهندسين الناجحين. إلا أنها لم تقدم على خطوتها هذه قبل أن تؤمن حضناً دافئاً للطفل، تمثل بإيكال أمره إلى أحد أصدقاء زوجها المتوفي والناجح في أعماله والذي يرعاه رعاية حسنة.
يبدو من الرواية، ومن خلال النهاية التي تؤول إليها حياة البطلة عبر انتحارها كي لا يفتضح أمرها وتلطخ اسم ولدها الذي أصبح طبيباً، أن مصير الأشخاص الذين يرغبون في أن يكونوا ضحايا في حياتهم حيث أنه لا رأفة لأحد عليهم، غالباً ما تكون نهاياتهم مأساوية بدرجة عالية، لذلك نستنتج أنه لا بد للمرء من الكثير من الذكاء وحسن الدراية ليتمكن من الاستمرار في الحياة كي لا تدوسه أقدام الآخرين.
لا يوجد مراجعات