أدونيس الحوارات الكاملة ٢
ثم إن «العالمية» نفسها ليست، بالنسبة إليَّ، معيارًا. إنها في مدلولها السائد، معيار تولد عن المركزية الثقافية الأوروبية، بقصد استبعاد الثقافات الأخرى، أو استتباعها، أو إبادتها. لذلك لا تثير عبارة «العالمية» في نفسي، حين تتصل خصوصًا بالشعر والفن، إلا السخرية، وإلا الاستغراب حين ترد، بخاصة على ألسنة عرب، يهاجمون ثقافة الغرب، وما أكثرهم، فهؤلاء، حتى في وقوفهم الظاهري ضد الغرب وثقافته، إنما يخدمونه عمليًّا، ويخدمون قيمه ومعاييره الثقافية. إنه العبد الذي لا يقدر أو لا يجرؤ أن يرى نفسه إلا في مرآة الجسد، حتى حين يخيل إليه أنه كسرها.
إن عالمية الشِّعر العربي هي في خصوصيته ذاتها، وخصوصية لغته. وانطلاقا من ذلك لا تبهرني أبدًا هذه «العالمية» الصحافية - الإعلامية، ولا أتعصب هنا، ولا أفاضل بين الشِّعر العربي والشِّعر الغربي، علما أن العرب يظلمون أنفسهم كثيرًا في هذا المجال. فما أكثر الشعراء الأجانب العاديين، الثانويين، الذين تبشر بهم الصحافة العربية على أساس أنهم «عالميون.»
أما عن الشق الثاني من سؤالك، فكأنك تسألني ما علاقتك بجسدك. العروبة هُويتي - انتماءً ولغةً وثقافةً. وهي إلى ذلك، مصيري. فكيف وبأي معنى تسألني إذن هذا السؤال، إلا إذا كنت تحصره بالمستوى السياسي. وعلى هذا المستوى، لي موقف مختلف مع آخرين كثيرين، وجوهر موقفي هنا نقدي، بالمعنى الجذري الشامل.
أدونيس، في حواره مع لامع الحر ، مجلة الشراع - بيروت (22.نيسان/إبريل.1985)
لا يوجد مراجعات