التفكيك والبراغماتية دريدا في مواجهة رورتي
لقاءٌ فلسفيٌّ ماتعٌ وممتعٌ ولعله الفريد من نوعه كهذا الذي أقدمه للقارئ العربي. فَرادته مردها إلى كونه قد جمع بين اسمين كبيرين في فضاء الفلسفة الرحب والشاسع، جاك دريدا من جهة، وريتشارد رورتي من جهة أخرى. إنه بحق مواجهة نقدية ثرية بين التفكيك والبراغماتية، وهما الفلسفتين المتقاربتين في مسائل والمتباعدتين في أخرى.
يعود منبَتُ الكتاب إلى حلقة نقاشية انعقدت يوم 29 ماي من سنة 1993، بالكلية الدولية للفلسفة بباريس، حيث التقى الفيلسوفان برفقة الفيلسوف البريطاني المعاصر سايمون كريتشلي، والمُنظّر السياسي الأرجنتيني إرنستو لاكلو. وتمحور النقاش حول تطوير مفهوم لاتأسيسي للديمقراطية. وهي فكرة يتفق بشأنها رورتي ودريدا ولكن الفروق في المنطلق الفلسفي القاعدي تجعل منظور الفيلسوف البراغماتي وطرحه يختلفان تماما عما يرتئيه الفيلسوف التفكيكي. يشاطر الاثنان فكرة تقويض الإرث الميتافيزيقي الغربي بنزعته النسقية ومقولاته التأسيسية للمعرفة والحياة والأخلاق. كما يتفقان في الاحتفاظ بالمشروع الديمقراطي للتنوير، بوصفه مكسبا حداثيا، ولكن على الرغم من هذا التقارب المبدئي إلا أن المقاربتين البراغماتية والتفكيكية مختلفتين تماما. وبغرض فحص مواضع اتفاق الفيلسوفين واختلافهما، تناول النقاش على وجه الخصوص علاقة التفكيك بالسياسة، وإمكانية أن تكون للتفكيك دلالة سياسية، وكانت بحق مسألة سِجالية، على اعتبار أن رورتي يعارض الفكرة تماما. ويتوسع النقاش ليتطور ويتعمق باستناده إلى طروحات فلسفية هامة، مثل الانفتاح على الآخر لدى إيمانويل ليفيناس ومقاربة التفكيك لدى الفيلسوف اللُّكسمبُرغِي- الأمريكي رودولف ڤاشي.
آمل أن تثري هذه الترجمة المكتبة العربية، وأن تكون مفيدة للقارئ ومُعينة له على فهم واستجلاء القضايا الفلسفية العلائقية بين التقليدين الفلسفيين العتيدين الأنجلوساكسوني والقاري. كما آمل أن تكون بمثابة نافذة مُطلة ولو على النّزر اليسير جدا من امتدادات التفكيك في بريطانيا، وبالأخص في أمريكا اللاتينية على اعتبار الفراغِ الرهيب الذي نعانيه فيما يخص المُنتَج الفلسفي لهذا الشطر من العالم.
لا يوجد مراجعات