أنسنة الشعر
تمثل هذه الدراسات في "أنسنة الشعر" في إبداع فوزي كريم شعراً ونقداً كفارة نقدية من عبث مورس على النصوص عبر إغفال الجانب الإنساني فيها. إن النصوص، مهما كانت طبيعتها، لا تغفل وجود الإنسان والحياة وعلاقاتها بهما. ويمكن أن يستشعر المرء عقم معالجات عديدة استهلكت وجوداً نقدية انصبت على النص نفسه واستبعدت علاقاته بالإنسان وعالمه. ولقد انبثقت رؤية ما يمكن تسميته بالاكتفاء النصي من وضع عالمي طبق النظرية الأدبية. إذ مارس هذا الوضع غمطاً لمقتربات نقدية بقيت تكافح من أجل دحض الاكتفاء النصي وربط النصوص بكل ما يمثل خارجاً تعاينه وتعالجه. وفي التمهيد عن "النقد الدنيوي"، وصف إدوارد سعيد، بأسف، هذا الوضع وصفاً بالغ الدلالة حين سماه "تيه النصية".
فهل كان الشاغل الأول لكتابة الشعر هو الصوت: جماله، ومؤالفته، ونظمه حسب، وهل كان يعمد إلى إغفال معنى الصوت؟ وهل كان شاغله الأول دعم ما يدمر الإنسان، أم كان التعبير عن همومه وعواطفه وأفكاره، دون أي إغفال لأي مكمن من مكامن إنسانيته؟
مع هذه الكفارة النقدية، يحاول هذا الاختيار جسر هوتين: الأولى بين الشاعر ونصه، تلك التي نواه بها فوزي كريم كثيراً، والثانية بين الشعر ومتلقيه. إذ لا بد للنقاد، بعد تدهور هذه العلاقة الأخيرة، أن يتولوا مهمة توجيه اهتمامات المتلقين إلى تذوق الشعر. وفي هذا المسعى نوع من الكفارة عن مشايعة الشعراء في إبهاماتهم التي فلسفها النقد أيما تفلسف، وأضفى عليها جدوى لم تكن ممكنة في الأساس لولا ذلك التخرص، والأحاديث الملفقة عن الشعر الحداثي. ومن هنا، يجيء اختيار فوزي كريم نموذجاً لهذه الدراسة عن "أنسنة الشعر" تلبية لحاجة نقدية وشعرية في آن.
حيث يطل عبر كتابه بعينين ثاقبتين. ويحاول عبر نظرات حادة أن يحقق الاختراق: اختراق حجب الزيف بتأملها، سيان في ذلك زيف الشعر والنقد والرسم والموسيقى. والمحيطون بوجه فوزي كريم، بخبرته، يعرفون أنه يعمل بأذرع عدة، وأنه يمسك بأزمة القصيدة والدراسة النقدية واللوحة والموسيقى ليواجهها على طريق واحد، طريق أن يعبر الكل عن أزمتنا الروحية حيال عالمنا، وحيال نصوصنا الروحية نفسها.
لا يوجد مراجعات