الغزالي فقيها وفيلسوفا ومتصوفا
يعد الغزالي واحدا من أشهر الشخصيات الإسلامية في الميدان الثقافي والفقهي قديما و حديثا، وموضع عناية الباحثين على مر العصور.وفي هذا الكتاب (الغزالي فقهياً وفيلسوفاً ومتصوفاً) وعلى مدى 244 صفحة يسلط د. حسين أمين الضوء على فكر ومنهج أبي حامد الغزالي.
فيدرس ويحلل المنهج الفقهي والفلسفي وسيرته الشخصية وعصره وبيئته من مختلف الجوانب، ويطلعنا على ما خلفه من تراث،وما كتب عنه في المصادر والمراجع وفق المنهج العلمي البحثي الذي عودنا عليه في جميع مؤلفاته.
في مستهل الكتاب يعرفنا د. حسين أمين بحياة الغزالي وشخصيته،وأساتذته.فيذكر بأنه تلقى أولى منابع علمه في مدينة طوس على يد الشيخ أحمد بن محمد الراذكاني وبعد ذلك انتقل إلى جرجان ومن ثم إلى نيسابور.
في هذه المدينة درس الفقه على يد الجويني ولاحظ الاختلافات المذهبية والآراء المتعددة والمتناقضة بين المذاهب والطوائف الدينية،كما لاحظ فساد الكثير من رجال الدين والفقهاء وتآلبهم على مصالح الدنيا ولذاتها، وعندما رحل إلى بغداد وعاش فيها من سنة 484 – 488 ورأى الخلفاء ألعوبة بيد الأمراء والقواد،والهرج والمرج الذي تعيشه بغداد بين ضعف في سلطة الخليفة وتباين في المسائل الدينية،وهو ذلك العالم الميال إلى الصوفية، عكف على دراسة المذاهب بالتفصيل ليكتشف أسرار كل طائفة،وفق نظرة موضوعية،توصله إلى الحقيقة،مستعيناً بدراسة الفلسفة وعلم الكلام والمنطق وكما يذكر د. حسين أمين وفق منهج علمي حديث يبنى على وضع الغرض ثم وضع نقيض الغرض أو ضده.أي أنه لا ينتقد مذهباً أو مبدأً معيناً إلا بعد دراسته وبحثه والخروج منه بنتائج دراسية واقعية، انعكست على الكثير من آرائه ومؤلفاته.
ومما لا شك فيه أن (أن الحب والاحترام والتبجيل لله (عز وجل) لا غير، والسلام لمن يستحق السلام وعدل الاتصال بالسلطان والأمراء و... ألا يقبل شيئاً من عطاء الأمراء وهداياهم وإن علم أنها من الحلال،لأن الطمع منهم يفسد الدين، لأنه يتولد المداهنة، ومراعاة جانبهم والموافقة في ظلمهم).فهذه الكلمات القيمة تعبر عن ما وصل إليه أحد أعلام التراث الإسلامي) " أبي حامد الغزالي ".
يم طريقتهم في الحياة لتحتل مكانة مميزة بين جميع الفرق الإسلامية.، وخاصة حين أدخل عنصر الخوف من يوم القيامة والحساب والجحيم وخاصة من جديد عند المسلمين في كتابه "الدرر الفاخرة"
للغزالي أراء قيمة في التربية والتعليم نلمس فيها واجبات الوالدين تجاه ابنهما وواجبات الطالب والمعلم،جميعها مستمدة من واقع المجتمع الذي عاش فيه ومن تجربته هو، و كما بين لنا المؤلف في مستهل الكتاب بأنه في بداية تعليمه تعلم على يد أساتذة كثيرين، وحصل على معارف كثيرة،وولي تدريس المدرسة النظامية بناء على دعوة من نظام الملك،إضافة إلى الأثر الديني والجانب الصوفي عليه. فالغاية عنده من العلم بلوغ النفس كمالها مبتهجة بما لديها من بهاء وجمال وكان يقول: " إن تحصيل العلم عبادة بل أفضل العبادات "وهذه الأفكار التي تعكس فكر الغزالي ومنهجه العلمي يوردها المؤلف بالدراسة والتحليل في ص 92- 97 من الكتاب.
وإضافة إلى آرائه في التربية والتعليم له آراء أخرى في الفلسفة وعلم النفس سبق بها بعض الآراء الحديثة التي تكونت وفق الاعتبارات العلمية الحديثة.فنراه يقسم الفلاسفة إلى ثلاثة أصناف (الدهريون – الطبيعيون – الإلهيون) مبيناً أقسام علومهم يتناولها د. حسين أمين بالدراسة والتحليل مبيناً أثر نزعته في الشك على دراسة الفلسفة ليجد له مخرجاً من الشكوك التي يثيرها عقله الذي سبق ديكارت بقرون كثيرة.
وفي هذا السياق يتناول ما ألفه الغزالي من كتب في الفلسفة، مثل كتاب تهافت الفلاسفة، الذي ألفه في بغداد عندما كان يدرس في المدرسة النظامية،عرض فيه نقده للفلسفة اليونانية،كاتباً له مقدمة "المقاصد" ليبين فيها آراءه في الفلاسفة،راجعاً خطرهم إلى إهمالهم أحكام الدين وشرب الخمر وعدم أقامة الصلاة، وكتب في الفقه وأصوله والمناظرة والجدل والتوحيد،فبين رأيه بمسألة قدم العالم مبينا زيفها وتناقض آراء من أخذ بها، فالعقل عند الغزالي يقترن بالقلب،والاثنان عنده يخضعان للوحي والدين لكي يصلان إلى الحقيقة العليا.فالعقل وفق منظوره لم يكن مستقلاً بالإحاطة بجميع المطالب ولا كاشفا الغطاء عن جميع المعضلات ولا بد من الرجوع إلى القلب لأنه يستطيع أن يدرك الحقائق الآلهية بالذوق والكشف بعد تصفية النفس بالعبادات والرياضات الصوفية. وفي هذا الصدد يشير د. حسين أمين إلى اختلاف وجهة نظره هذه مع الكثير من العلماء والفلاسفة ومن أبرزهم أبن رشد وأبن قيم الجوزيه. فأبن رشد المدافع عن الفلسفة الإغريقية، وعن أرسطو في كتاب تهافت التهافت هاجم الغزالي وأتهمه بأنه سفسطائي وسريع الأخذ بأبسط الخطأ المنسوب إلى الحكماء. أما ابن قيم الجوزية فقد نقد الغزالي في عشرين مسألة جميعها تدور حول إسراف الصوفية في الابتعاد عن المظاهر الإسلامية يشير إليها د.حسين أمين في طيات تناوله أثر الغزالي في الفكر الإسلامي.
احتلت مؤلفات الغزالي منزلة كبيرة عند الكثير من العلماء العرب قديما وحديثا. فكانت تزين مكتبات المدرسة النظامية والمستنصرية،ولعلو شأنها وأهميتها دفع بعض الناسخين إلى نسب الكثير من الكتب إليه تناولها الباحثون بالدراسة والتحليل.
ولأهمية هذه الدراسات عكف د. حسين أمين على دراستها وتقديمها في الفصل الخامس الذي تناول فيه "تراثه العلمي و" أشهر الدراسات عن الغزالي ومؤلفاته " محاولاً وضع هذا التراث وترتيبه في.نظام جديد يقوم على وحدة الموضوع، وتاريخ تأليفها،وسنة الطبع،ومكانه،ومرات الطبع.
وبعد رحلة طويلة استغرقت عشر سنوات تنقل الغزالي كما يشير د.حسين أمين بين الشام وفلسطين والحجاز ومصر والإسكندرية وبغداد أخذ عقله ينازع نفسه، وبدأ صراع نفسي عندما رأى غواية الناس وانتشار أفكار غريبة عن الدين الإسلامي و بدأ التردد يظهر عنده كما يرويها في كتابه " المنقذ من الضلال " فأخذ يتساءل مع نفسه " هل يبقى بعزلة عن الناس؟ أم يدخل في قلب الصراع وينقذ الناس مما وقعوا فيه من ضلال؟ولإنقاذ نفسه من هذا الصراع تشاور مع محبيه من العلماء وذوي الرأي، فنصحوه بالخروج من عزلته وتدارك الفتنة، فخرج من بغداد إلى نيسابور سنة 488 هـ بعدها إلى طوس ليبني بجوار داره مدرسة للفقهاء ومأوى الصوفية ويبقى على هذه الحال حتى وفاته في سنة 505هـ. فكان امتناعه عن التدريس في بغداد ورحيله عنها أسبغ على الغزالي وفق ما يشير إليه المؤلف السمو والمجد فضرب بذلك مثلاً رائعاً في تجنب المال والجاه والميل إلى الزهد والصلاح والتقرب إلى الله.
في نظر الكثير من العلماء يعد الغزالي شخصية القرن السادس الهجري العلمية بما تركه من أثر كبير على التراث الإسلامي فالكثير من العلماء كان بين مؤيد ومعارض له سواء في حياته أو مماته وهذا ما يجده القارئ المهتم بالتراث الإسلامي والمتخصص في التاريخ والفلسفة في هذا الكتاب الذي اتبع فيه د.حسين أمين المنهج العلمي التاريخي في ترجمة حياة الغزالي العلمية وأثرها على الفكر الإسلامي.
تضمن الكتاب تعريفا بالغزالي وخمسة فصول وملاحق :-
الفصل الأول تناول فيه حياته وعصره.
الفصل الثاني تناول فيه حياته في بغداد و في البلاد الإسلامية.
الفصل الثالث تناول مراحل الشك عند الغزالي.
الفصل الرابع تناول آراء الغزالي في التربية والتعليم وأثره في الفكر الإسلامي.
الفصل الخامس تناول تراثه العلمي وأشهر الدراسات عنه وعن مؤلفاته.
لا يوجد مراجعات