الحلقة النقدية
"الحلقة النقدية" The Critical Circle كتاب يبحث في الحلقة الهرمنيوطيقية الشهيرة، كما تجلت في ميادين مختلفة، ولا سيما في ميداني البحث التاريخي والنقد الأدبي.
وعلى الرغم من أن هذه الحلقة قد صيغت صياغة متباينة عبر نظريات هرمنيوطيقية مختلفة، ظلت تصف عموماً الكيفية التي يرتبط بها الجزء بالكل بطريقة حلقية في عمليتي الفهم understanding والتأويل interpretation.
فلكي نفهم الكل، يغدو ضرورياً فهم الأجزاء، في حين أننا لكي نفهم الأجزاء، لا ينبغي لنا إلا إستيعاب شيء من الكل، وقد استُعملت هذه الحلقة في الهرمنيوطيقا القديمة بالدرجة الأساس لوصف فهم النصوص، في حين غدت في الهرمنيوطيقا الفلسفية، عند مارتن هايدغر وهانز غيورغ غادامر، المبدأ الأساس في فهم الإنسان لطبيعته وموقفه.
وبمعية الحلقة الهرمنيوطيقية، صار الفهم شرطاً لإمكانية الخبرة والبحث الإنسانيين، وتكمن مهمة الفلسفة النقدية في إكتشاف مثل هذه الشروط ووصفها؛ لهذا يوحي مصطلح "النقدية" critical الوارد في العنوان، بأن الحلقة ليست محض سمة عارضة لنقد النصوص الأدبية بل هي، عكس ذلك، مقولة category اكتشفتها الفلسفة النقدية لتكون الأساس الذي لا يستغني عنه التفكير الإنساني كله.
وينطوي مصطلح "النقدية" على أزمة وتلك في الحقيقة ثيمة أتت من التراث الظاهراتي ولا سيما عند هايدغر وادموند هوسرل، لتؤكد أن العلوم الطبيعية والإنسانية تواجه أزمة تستدعي تأملاً فلسفياً يصب في أسسها نفسها، ويبقى السؤال قائماً: هل تواجه العلوم الإنسانية عموماً، والعلوم الأدبية بوجه خاص، مثل هذه الأزمة أم لا؟.
إن التوالد الحالي الذي تشهده المناهج الهرمنيوطيقية يقدم بعض البراهين على وجود مثل هذه الأزمة، وهناك رغبة عامة في إعادة التفكير بطبيعة التأويل الأدبي ذاتها، يرافقها الأمل غالباً، بالتغلب على هذه الأزمة عن طريق جعل التأويل أكثر موضوعية و"علمية".
ولأن الفلسفة الهرمنيوطيقية تهدف إلى إثارة التأمل حصراً، وتحدي اليقين المزعوم في المناهج السائدة، لا يمكن أن تكون الحلقة الهرمنيوطيقية حلاً لمثل هذه الأزمة، ثم إن النظرية الهرمنيوطيقية لا يمكن أن تصبح منهجاً أو "مقاربة" جديدة للتأويل التطبيقي، بل هي، غالباً مقدمة Prolegomenon للشعرية.
ولما كان الشعر لا يقبل إلا أن يفهم، تتمثل الخطوة الأولى بتفسير الشروط اللازمة لإمكانية فهم الأعمال الشعرية، وإستناداً إلى التفسير الهرمنيوطيقي، يتم التحكم في فهم النص بوساطة الفهم الذاتي للتأويل.
ويعني ذلك أن التأمل بالطرق التي تولد الفهم الأدبي هو لحظة النقد الأدبي الحاسمة، وينبغي للتأمل الذاتي، والفهم الذاتي الجلي، أن يكونا نقديين إذا ما أريد للعملية التأويلية أن تحقق إمكاناتها الأساسية.
لا يوجد مراجعات