علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة ج1
في موسوعته العلمية الشاملة "علم الكلام والمجتمع" يبحث شيخ المستشرقين الألمان فان إس في تاريخ التفكير الديني والإجتماعي والسياسي في القرنين الثاني والثالث للهجرة ويطرح مجموعة من المفاهيم والمواضيع والأطروحات المثيرة للجدل حول العلاقة الجدلية بين اللاهوت والمجتمع.
وكما يقول محمد أركون، لقد فتح فان إس طريقاً جديداً أمام الباحثين للتحرّي العلمي عن قضايا ما زالت لم تطرح وتمارس وتنفذ، رغم أن المسلمين ما زالوا يعيشونها ويعبّرون عنها في حياتهم اليومية بنحو أو آخر.
إن هذه الموسوعة الجادة تكشف عن قضايا فكرية وفلسفية ذات دلالات دينية وإجتماعية وتضع أمام المهتمين بالفكر العربي - الإسلامي نموذجاً رصيناً في البحث العلمي الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه.
إبراهيم الحيدري
نبذة المؤلف:
تخطر للفقهاء أفكار غريبة، وفي هذا تكمن جاذبيتهم حتى اليوم. ولا يستثنى الفقهاء المسلمون من ذلك. إلا أن المرحلة التي أتناولها تقدم لهم ميزتين إضافيتين: أنهم وقفوا في انفتاح البداية، وقد استخدم المجتمع الذي عاشوا فيه المصطلحات الفقهية في تفسير وجوده إلى حد كبير. هيأتهم رحمة الولادة المبكرة لبدايات متنوعة وعدم الالتزام بالبديهيات، كما لم يجر بلوغه فيما بعد. لم يضعهم استعداد المجتمع للإصغاء إليهم في مركز تشكيل الحياة اليومية وحسب وإنما أيضاً في محور السياسة الكبرى. سيتناول الحديث فيما يلي الخلفاء والكفرة وكذلك الإيجارات والحياة الجنسية على السواء، "فالفقه" بمعناه الأوسع هو الحديث عن الواقع الذي يحدده الدين والذي يستهدي بالوحي حديث العهد.
ولكن يصعب علينا أن نمسك بكلا القطبين لهذه العلاقة بوضوح، كان المجتمع والفقه يبحثان عن هويتهما. وتاريخ تأثيرهما على بعضهما هو في نفس الوقت عرض لنشوء "الأرثودذكسية"، فالأصولي وحده يمكن أن يدع الصورة التي ترسمها لنا مصادرنا من منظور متأخر تضلله: وهي أن الإسلام كان دائماً ما كانه في الفترة اللاحقة. لقد عثر المرء على نفسه باختياره بين عدد كبير من النماذج والإيحاءات. إلا أن عملية المحاولة والخطأ هذه التي مر بها كل دين، جرت في الإسلام بطريقة معقدة حقاً، حين انتشر أنصاره عبر الفتوحات في مناطق واسعة من العالم القديم وثبتوا أنفسهم كفئة حاكمة على القاعدة السكانية، فنشأ عن ذلك تطور محلي لم تجر موازنته إلا مع مر الزمن عبر الرعي الإسلامي العام.
لذا يتوجب على المرئ إلقاء الضوء على هذه العملية حسب المناطق والمدن بشكل منفصل، أكثر مما جرى حتى الآن. استهدى العرض الذي بين أيديكم بهذا المطلب، فقد حاولنا في القسم الأول إعادة تشكيل الوضع الديني في المناطق المنفردة، وفي القسم الثاني فيما بعد حصرنا النظرة في مركز واحد هو بلاط الخليفة في بغداد. تبرز في الصورة خلال النظرة العامة على المناطق ظواهر اعتبرها المرء حتى ذلك الوقت، متبعاً منظور المصادر الإسلامية، طائفية. وعلى العكس كثيراً ما كانت في منطقتها ما اعتبره المرء متزمتة "أرثودذكسية".
لا يوجد مراجعات