مشكلة الأفعال الإنسانية بين "الخلق" الاعتزالي و"الكسب" الأشعري
شغلت معضلة الأفعال الإنسانية حيزاً رحباً في خريطة علم الكلام، وهو حيز مبرر ومشروع، إذ أدركنا أن الحديث عن هذه المشكلة في الإسلام لم يكن متعة فكريّة أو رياضيّة ذهنيّة أو مقطوع الصّلة عن الهموم السّياسيّة والاجتماعيّة التي كان المجتمع الإسلامي غارقاً فيها، بل كان حديثاً مثقلاً بهموم الواقع.
إن الظروف التي حدت بعلم الكلام إلى الظهور في الماضي ما زالت تتمتّع بحضور أقوى وأخطر وأنكى في عصرنا الذي أبى إلا أن يدقّ طبول "صراع الحضارات". فما أحوجنا إلى إحياء وتحيين الفكر الكلامي للدفاع عن العقيدة، بل إننا بأمسّ الحاجة، حسب بعض الباحثين، إلى تجديد مادة علم الكلام، بعد أن أصبح الهجوم لا يستهدف العقيدة فحسب، بل يتعداه إلى الهجوم على الأرض والشعوب والحضارة. لذلك فـ "إن إحياء علم الكلام وتفعيله وإعادة فهم العقل والعقيدة، آخذين بعين الإعتبار ظروف العصر، أمور قد تكون على الأمد الطويل، أحد المخارج من أزمة العصر، وهو حصار الأمة بين نخبة أخذت علمها من الغرب ويائسة من التراث القديم، وأغلبية تقدم التراث القديم دون أن تجدده".
تهدف هذا الدراسة إلى رصد مفهوم "الخلق" الاعتزالي ومفهوم "الكسب" الأشعر، لأن المعتزلة والأشاعرة هما قطبا الرحى في علم الكلام، وإلى الإبانة عن تطور مفهوم "الكسب" الأشعري من أقصى الجبرية، حتى أصبح قاب قوسين أو أدنى من حرية الإدارة والاختيار لدى المعتزلة.
وإذا كانت الأشعرية هي الفرقة الكلامية التي قيّض لها أن تحيا وتسود لاعتبارات عدة، فإن أقابها مدينون – شئنا أن أبينا – لخصومهم المعتزلة بدين لا يرد.
شئنا الخوض في هذا الأمر، وأدواتنا لذلك مصادر الكلام وأصول الفقه التي عوّلنا عليها دون وسائط تأويلية أو تبسيطية.
لا يوجد مراجعات