في الواجبات
الكتاب مبنيّ على تسلسل هرميّ بالغ الدّقة. يقع الوطن في رأس الهرم. الحقّ أنّ المنظومة الأخلاقيّة الشّيشرونيّة معقودة بأكملها على قدسيّة الوطن. فإذا كان الوطن يستحقّ أن نبذل من أجله الغالي والنّفيس، فإنّه يستحقّ من باب أولى أن نخرق في بعض الأحايين جملة قواعد أخلاقيّة، وفي مقدّمتها قاعدة تفوّق النّزاهة على المنفعة، من أجل حفظه وصون سلامة أراضيه. تأتي في المرتبة الثّانية عُلِّيَّة القوم من الفلاسفة والقناصِل والمستشارين وأعضاء مجلس الشّيوخ والقضاة والمحامين والقادة العسكريّين، إلخ، الّذين تُناط بهم، كلّ في مجال اختصاصه، مهمّة توعية الشّعب وإرشاده إلى السّبيل القويم بغية تحقيق الهدف المنشود، ونعني حفظ الوطن والنّهوض به. أمّا عامّة الشّعب فتأتي في المرتبة الثّالثة من دون أن ينتقص هذا التّصنيف من قيمتها، لكن من المعروف أنّ هذه الطّبقة تحتاج، من جهة، إلى منظومة أخلاقيّة تسير على هَدْيِها، ومن جهة أخرى إلى نُخبةٍ تتمتّع حقًّا بأخلاقٍ نبيلة قادرةٍ على توجيهها، وضبط سلوكها. بيد أنّ العلاقة بين هذه الطّبقات شبيهة بعلاقة القلب بسائر أعضاء الجسم. صحيح أنّ حياة الإنسان تتوقّف بتوقّف عمل القلب، لكنّ عمل القلب يتوقّف بدوره على تعاضد سائر الأعضاء وتعاونها في ما بينها. الحقّ أنّ الأمر نفسه يُقال عن علاقة الوطن بأبنائه، ذلك بأنّ بقاءه معقود على صلاح بَنيه ونخبته.
لا يوجد مراجعات