المونادولوجيا أو مبادئ الفلسفة
لما بدأ ديكارت يتأمل في المسائل الفلسفية الكبرى شك في كل ما اكتسبه من معرفة عن طريق الأساتذة أو الكتب، وحاول أن يشيد فلسفته على أساس متين، وأن تكون أجزاؤها متماسكة، ولكن ليبنتز، بالعكس، كان يعتقد أنه يوجد قسطاً من الحقيقة في كل ما وصل إلينا من السابقين، وعلينا أن نبحث عنه، ولكي نصل إلى نتيجة علينا أن نضع قائمة بالمعارف والآراء، التي وصلت إلينا وأن نخط منهاجاً يساعدنا على السير قدماً.
يقول ليبنتز إن التجربة الباطنية تكشف لنا عن كائن روحاني، أي عن جوهر واحد وغير قابل للتجزئة، وهو بمثابة ذرة لاجسيمية. إن هذا "الأنا" الذي أشعر بأنه يفكر، ويحس، ويريد، لا شك في أنه جوهر، واحد، وغير قابل للبحث به، ودائم بالرغم من التغيرات التي تحويه. فهو وحدة جوهرية لاجسيمية، وأطلق ليبنتز على هذه الوحدة لفظ "مونادة" (وهو لفظ يوناني معناه الوحدة).
وينتهي ليبنتز إلى أن العالم بأسره مكون من مونادات مماثلة للمونادة التي نعثر عليها بواسطة التجربة الباطنية. وهذه المونادة التي عثرنا عليه في داخلنا هي إدراك، أي أنها مرآة تعكس الوجود وتعكس نفسها إذ إن كل الأشياء متصلة وهكذا يمضي ليبنتز في تحليله للمونادة للوصول إلى البرهنة على وجود الله فيقول إنه بدون وجود الله يستحيل تعليل منشأ العالم، والحركات التي تحدث فيه، كما يستحيل تفسير الغائية الواضحة في العالم، وأخيراً يتصور ليبنتز العالم وكأنه مجموعة عظيمة متماسكة من المونادات اللامادية الحية.
والأجسام اللاعضوية مجموعات من المونادات من النوع الأول، والنباتات مجموعات من هذا المونادات خاضعة لمونادة الحمل تدعى "روحانية" والحيوان مجموعة مماثلة من المونادات الأولى خاضعة لروح حساسة. والإنسان مجموعة من المونادات خاضعة لنفس، أما الله فإنه روح محض، حال من كل إدراك غامض، وحائز على فكرة واضحة كاملة شاملة. وجميع المونادات تسعى إلى الله، ولولا العوائق الموجودة فيها لحققت جميعها الألوهية في نفسها وأزالت هدم الأجزاء الغامضة الموجودة فيها.
لا يوجد مراجعات