طائر الليل الهندي
لا يعد أنطونيو تابوكي مجرد روائي يجيد لعبة السرد ويعمل على تطويرها ولكنه أيضا صاحب رؤية للتاريخ والثقافة والمكان، رؤية تجمع بين التأمل والمرجعية الفكرية التي تحاول الوقوف أمام طغيان العصر المادي وشروطه، وفي هذه الرواية رحلة بحث غرائبية عن رجل غامض اختفى في الهند وأخذت تلافيف الثقافة الهندية وغموضها الذي يزيد لاختلافها عما يفكر فيه ويعتقده الرجل الأوروبي في إخفاء هذه الشخصية وتصعيد المفاجآت التي تأتي تبعا في أحداث الرواية القصيرة والمكثفة، ففي الهند عالم المنبوذين والمهمشين الذين يرضون بذلك المصير بصورة قدرية نابعة من التقاليد والتعاليم الدينية، وفي هذا العالم تكون الرحلة بين الفنادق الرخيصة والحافلات التي يتنقل فيها الراوي بحثا عن صديقه، فيضطر لذلك أن يصادف قسوة نظام الطبقات في الهند وهو يجوب عنابر المستشفيات، وتصبح الهند هي الموضوع وليس الصديق المختفي في ظروف غامضة، وتلقي كل شخصية بما تمثله في هذا المجتمع التراتبي بظلالها على الراوي فيندمج معها قليلا وبعيدا عن الموضوع المركزي.
تتسم لغة تابوكي براشقتها ومباشرتها بعيدا عن الإبهار أو الاندفاع لاقتناص اللحظة الوصفية، فالمعنى يسبق الشكل وأية تفاصيل غير ضرورية يمكن الاستغناء عنها، وعلى ذلك يحضر المكان بقوة في سيمياء الرواية وتصبح كل جملة وصفية دلالة على بعد نفسي وحضاري مستتر وراء الحدث الروائي.
تابوكي يكتب من مخاض رحلة عاشها بنفسه ليرسم في مخيلته أحداث القصة في نفس الأماكن الحقيقية ويخلد تلك الرحلة التي قدمت حكمة الهند وقسوتها وخاصة ما يتعلق بالتراث الثيوصوفي الذي يدهشه في مواجهة الفكر الغربي، وتحولت هذه الرواية تحولت أيضا إلى فيلم سينمائي، يدرس تابوكي الأدب البرتغالي في جامعة سيينا الإيطالية ومن أشهر أعماله ''ساحة ايطاليا'' و'' رأس داماسثنو مونتيرو الضائع''، وبالإضافة إلى ذلك فهو من أنشط المترجمين في النقل عن البرتغالية.